السبت، 25 يناير 2014

البئر - قصة قصيرة

كما هو يبهرنى كلما تكلم وأرى نفسى أمامه كطفل صغير لا زال ينظر إلى الدنيا كأنه يحيا وسط عمالقة ولا يعلم سر ضعفه وقلة حيلته وسط هذا العالم الكبير ..

سألته عن سر التعصب الذى يجعل المرء يغلق سمعه وقلبه ويصر على رأيه بل ويصل به الأمر إلى مقاطعة أخيه إذا خالفة الرأى .. فابتسم ابتسامه الرجل الذى رأى من الدنيا الكثير وقال ..

"دعنى أضرب لك مثلا برجل يعيش فى مكان بعيد عن الحضر وأمام بيته بئر ماء والبئر الأخر يبعد عن بيته ساعة سير على الأقدام .. أما البئر الذى امام بيته فقد سمع من أبيه الذى سمع من اخرين بخطر الشرب منه لسبب ما ، فظل الرجل لمدة ثلاثين سنه يخرج فى الحر او البرد وأمامه الماء فى البئر القريب فيتركه ويسير إلى البئر الأخر ليحمل الماء ويعود به مرة أخرى إلى بيته .. ظل الرجل كذلك حتى جاء ساكن جديد لا يعلم شيئاً عن المكان ليسكن بجوار الرجل .. وعندما هم الساكن الجديد بالشرب من البئر الذى امام الدار خرج إليه الرجل محذرا ولكن الساكن لم يستجب وأنكر ان يكون بالبئر سوء وشرب .. والعجيب فى الأمر أنه لم يحدث له أى شىء .. مرت أيام ولم يحدث له مايضر .. والرجل يذهب كعادته إلى البئر البعيد ليجلب الماء بينما جاره الجديد يشرب من البئر المحرم ولا يصيبه مكروه .. فعاد الرجل ليسأل أباه عن سر البئر فلم يعرف الأب مصدر الأمر تحديدا سوى أنه سمعه من أبيه وقد عوده على الأمر كما تعود .. وأزدادت حيرة الرجل وغضبه .. فكيف يحدث له كل هذا وكيف يتحمل مشقة الذهاب إلى البئر البعيد كل يوم منذ طفولته ثم يأتى هذا الرجل ليهدر كل هذا التعب ويصبح ما فعله لا قيمه له ولا معنى .. وما كان منه إلا أن أستيقظ باكرا فى اليوم التالى وأتى بشاة نافقه فألقاها فى البئر القريب ليفسده "

قلت متعجبا وقد أعترانى الفضول:

"ولكن لماذا أفسد البئر على غيره وعليه ولم يرحم نفسه من تعب ومشقة الذهاب إلى البئر البعيد وقد أكتشف أنها لا ضرر بها؟ أليس هذا ضرب من الجنون ؟"

ابتسم الشيخ وعاد ينظر لى وهو يرى تلك النظرة الحائرة التى أرتسمت على وجهى ..

" نعم هو جنون .. ولكنه لم يتحمل أن يرى عمرة وقد ضاع وهو يؤمن فى أعتقاد غير صائب فلم يرحم نفسه من المشقة ولكن قرر أن يصبح الأمر واقعا فأفسد البئر .. هكذا بعض الناس .. إذا أفسدت عليهم أعتقادهم أصبحت لهم عدواً .. فقد عرفوا الشىء وأعتادوا عليه ولم يعرفوا غيره وأستقرت أنفسهم إلى الأمر .. فإذا أخللت باستقرارهم حاربوك وإن كنت على صواب."

قلت ..

"إذا فالتعصب ما هو إلا ضعف فى النفس ودلالة على الشر لا الخير"

قال الشيخ ..

" لو كان الخير فى قلب الرجل الذى يسكن أمام البئر لترك البئر لجاره حتى وإن كان يشك فى ضرره .. ولكنه لم يفسده كى يحمى الجار من الضرر بل ليحمى نفسه من الشعور بالخيبه وضياع العمر فى الوهم "

أنهى الشيخ حديثه وقد أرتفع الأذان للصلاة ..

ورددت فى قلبى أن لا حول ولا قوة إلا بالله ..

حقا ما يحدث الأن ليس إلا شر .. يتعصب كل لرأيه ليس لرضا الخالق ولكن لإرضاء النفس التى تخشى أن ترى الحقيقة فتجدها مخالفة لما تفعل ، و يعميهم التعصب فيفسدون ولا يصلحون فى الأرض .. يتعصب بعض رجال الدين حتى يقودهم ذلك إلى الكذب على الله باسم الدين ، ويتعصب آخرون لمعاصيهم فيسيؤن للدين نفسه .. ولن تجد فى هؤلاء ولا هؤلاء خيرا ..

وقبل أن أسأل الشيخ عن الحل كانت الصلاة تقام .. ونظر الشيخ إلى الصفوف يعطينا الإجابة ..

أستقيموا .. استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم .. أقبلوا على الله بقلوب خاشعة وصلوا صلاة مودع ..



كتبها : وليد نبيه 5 يناير 2013

مقتل سمكة

أيقظتنى شقيقتى الصغرى ذلك اليوم على خبر جريمه بشعه حدثت فى حوض سمك الزينة خاصتها .. فقد قامت سمكه بتمزيق شقيقتها وانتزاع أحشائها ..

وعلى الفور قامت شقيقتى بعمليه كبيره لتنظيف الحوض من تلك الأشلاء وتطهير المحتويات حتى لا تتضرر باقى الأسماك .. والأهم أنها قامت بتنفيذ حكم القصاص فى السمكه المفترسه وقامت بإلقائها فى سلة المهملات كى تلفظ انفاسها حتى لا تكرر فعلتها مرة أخرى وتتسبب فى المزيد من الضحايا ..

كان الأمر محزنا منظر تلك السمكه الممزقه المسكينه وقد شق بطنها وخرجت أحشائها .. وعلى الجانب الأخر كان مؤلما منظر السمكه الجانيه وهى تحاول جاهدة أن تتعلق بالحياة فترفع رأسها بحثاً عن الهواء فلا تجد فتعود لتستكين فى حالة انتظار الموت ..

وعدت لأنظر إلى تلك السمكة التى تلفظ أنفاسها وقد بدأت فى قلبى الرحمة تجاه مخلوق يموت ..

وفجأه قفز إلى ذهنى خاطر أستوقفنى كثيراً ..

فهذه السمكة التى تمزقت وخرجت أحشائها وألمنى منظرها هى شقيقة تلك الأخريات التى وقفت مبتسماً أرقب السماك وهو يقوم بتنظيفها وأنا أمنى نفسى بوجبة ممتعة من تلك السمكات الطازجة التى سأخذها إلى منزلى للطهو ..

وتلك الجانية التى تركناها تلفظ أنفاسها فى الهواء وشعرت تجاهها بالإشفاق وتمنيت أن ينتهى عذابها سريعا تركتها بنفسى من قبل عندما تعلقت بسنارتى وأنا فى رحلة صيد وتركتها فى الصندوق بجوارى أنظر إليها فى سعادة انتصار وهى تحاول التعلق بالحياة وتمنيت أن تظل أطول فترة على قيد الحياة حتى نعود من تلك الرحلة كى لا تفسد فى الطريق ..

وتفكرت كيف للمرء أن يزن نفس الأمر بمكيالين وكيف له أن يشعر مرة بالحزن ومرة بالسعادة على نفس الفعل ذاته ..

وكيف يبرر لنفسه المواقف حسب رغبته واحتياجاته .. تلك الحاجة التى تجعلنا نقبل أشياء قد ترفضها نفوسنا فى الأحوال العادية ، وتجعلنا نقدم التنازلات أمام أنفسنا ونتجاهل تماما التفكير حتى فى المبررات التى دفعتنا لهذا ..

وكيف أنه ليس هناك خطأ مطلق أو صواب مطلق فى بعض الأمور ..

وأن علينا أن نتوقف لحظة لنزن الأمر بعين الأخر .. ونرى الدنيا من منظور مختلف .. وألا نجعل تحمسنا لأفكارنا يطغى على عقولنا فيعمينا عن الحق ..

ولم أجد إلا أن أتضرع إلى الله بالدعاء وأنا أرى رجلاً يقتل أخاه بل و يسرف فى القتل بلا رحمة ، حتى وإن إختلف معه فى الفكر أوالمذهب أو حتى الدين ..

اللهم اجمع شملنا وألف بين قلوبنا ووحد صفوفنا .. اللهم ، رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
 
كتبها وليد نبيه 2-7-2013

حلمى حلمك - قصه قصيرة

استيقظت من نومها فزعه ونظرت إلى زوجها النائم بجوارها فى خوف تتأمل ملامحه الهادئه وقلبها ينبض فى عنف إذ استيقظت على حلم مفزع ، وأحس بحركتها فى الفراش ففتح عينيه فى وهن ينظر إليها متسائلا عن سبب استيقاظها ..

ابتسمت فى براءه وهى تقول

"رأيت حلماً مفزعا"

مد يده ليحيط كتفها ويعيدها إلى النوم وهو يقول :

"لا تخافى انه مجرد حلم هيا أغمضى عينيك ونامى من جديد "

"لازلت خائفه "

"لا تخافى أنا بجانبك .. قصى على ذلك الحلم"

صمتت لحظات تتذكر الحلم قبل أن تقول فى صوت مرتعش :

"رأيت أننى أسير فى الظلام .. كان ظلاما حالكا لا أكاد أرى فيه شىء .. حتى السماء لم يكن بها ضوء من قمر أو نجوم .. وكان المطر ينهمر وأنا أسير حافية القدمين أخطو وسط برك المياه التى خلفتها الأمطار والخوف يغمرنى .. ثم أتيت أنت من بعيد وفى يديك خفين .. فابتسمت لى ثم أمسكت بقدمى وألبستنى إياها"

ابتسم الزوج فى سعاده وهو يقول :

"هل ترين ! سوف تجديننى حيثما ذهبتى .. أنا معك حتى فى الحلم وسأنقذك من أى سوء"

وابتسمت له وأغمضت عينيها وهى تقول :

"نعم أنت منقذى دائما"

ثم عادت لتدفن رأسها فى صدره وتنام ..

وفى الصباح الباكر بعد أن توجه الزوج لعمله بدأت تبحث عن معنى الحلم وترسل لمفسرى الأحلام .. كان الأمر يزعجا حقاً إلى حد كبير .. وكان ما وصلت إليه من نتائج التفسير أن هناك مشكله سوف تحدث لها أوأن هناك من يضمر لها الشر ، ولكن زوجها سيأتى ليقدم لها العون ويحميها كما قدم لها الخفين فى الحلم ..

وفى الليله التاليه تكرر الحلم .. وكأنه يؤكد عليها ضرورة أن تنتبه .. واستيقظت فزعة مرة أخرى فى الليلة الثالثة ولكنها لم تخبر زوجها عن التكرار حتى لا يسخر من خوفها وإن لم تكن تلك عادته ولكنه فى الأونة الأخيرة تغير بعض الشىء وشيئاً فى عينيه يخبرها أنه يخفى شيئاً ما ..

وبدأت فى الاتصال بإخوته ثم زوجات أصدقائه .. تحاول اختراع أى سبب للحديث إذ لم يكن من عادتها الاتصال سوى فى المناسبات ولكن قلقها كان أقوى منها .. فربما أحست من أحدهم شيئا يرشدها لذلك الشر الذى سيحدث ولا تعرفه ..

كانت تشعر أن زوجها قد تغير منذ فترة .. لم يكن يتحدث معها كما كان ولم يعد يضحك من قلبه كما كان .. وبدأت القلق المسيطر عليها يتملكها ويدفعها هى الأخرى للتغير ، فلم تعد تشعر أنها تضحك ولكنها تحرك شفتيها .. ولم تعد تخرج من المنزل مع صديقاتها .. بل أصبحت تجلس فى المنزل نهارا تفكر وكأنها تنتظر حدثا لا تعرفه وتجلس ليلا إلى جوار زوجها شاردة تفكر وعيناها لا تفارقانه وكأنها تخاف أن تجد نفسها من دونه فجأه فتشتد بها المخاوف ..

وبدأت أمراً لم تفعله أبداً منذ تزوجت .. بدأت تفتش فى أغراض زوجها .. كانت ترفض ذلك وتمقته من داخلها فلم تكن أبداً تلك الزوجة ولكن دافعاً أقوى كان يحركها رغماً عنها ..

وتوقفت عيناها عند تلك الأوراق وامسكت بها تقرأ .. لقد رأت تلك الأوراق فى يد زوجها منذ أيام وأسرع يخفيها فى درج مكتبه عندما دخلت عليه وقد لاحظت توتره ولكنها لم تعر الأمر اهتماما .. أخذت تقلب فى الأوراق وترقرق الدمع فى عينيها وتوقفت لحظات تفكر ثم اتخدت قراراً و أسرعت إلى الهاتف تتصل بأخيها ..

وعندما عاد زوجها من العمل كان أكثر إشراقا وقد بدت الراحه والطمأنينه تكسو ملامحه ولاحظت أن ابتسامته الليله تختلف كثيراً عن الأيام الماضية ..

وفى المساء قامت لتعد له كوبا من الشاى ، ولم تلحظ اثناء حركتها أنها صدمت كأسا زجاجيا ليسقط على الأرض بجوارها ويتناثر الزجاج فى كل مكان .. وأسرع زوجها إليها عندما سمع صوت الارتطام .. ونظر إليها فى جزع وهو يقول :

"هل أصابك شىء؟"

نظرت إليه وهى تقول :

"لا لا تقلق"

"ليس فى قدميك شىء .. لا تتحركى من مكانك "

وأسرع يبحث عن خفيها ثم يعود ليضعها فى قدميها وهو يقول ضاحكا :

"لقد تذكرت حلمك الأن .. هل رأيت .. لقد أنقذتك "

ابتسمت هى الأخرى فى سعاده وهى تقول :

"نعم .. أنت منقذى دائما"

وأحست بالراحه وهى تراه يضحك من قلبه من جديد .. وتذكرت الحلم الذى شغلها تلك الأيام .. وابتسمت وهى تتذكر كيف روت له الحقيقه معكوسة .. فقد رأته هو حافى القدمين وهى من قدمت له الخفين .. كانت تحبه بصدق وتخشى عليه وأحست بقلبها قبل التفسيرات أن هناك شيئا يحيط به من الخطر ولكنها لم تشأ أن تنقل إليه جزعها من الحلم وتزيد من مخاوفه إن كان هناك شىء بالفعل .. وعندما بحثت حوله كانت تريد أن تعلم مشكلته التى يخفيها فربما كان بوسعها فعل أى شىء ، وكانت تلك الأوراق التى وجدتها فى مكتبه هى مفتاح السر .. كانت شركته الخاصة تعانى من مشكله كبيره بسبب القروض وعدم قدرتها على السداد منذ شهور ومخاطبات بينه وبين الشركاء يطالبونه بتصفيه الشركة والحصول على أنصبتهم بعد سداد القروض ، وكانت تعلم جيدا أن تلك الشركه هى طفلته التى يحبها لدرجه الجنون وتصدعها هو موت بطىء له ، وتذكرت ابتسامته أول يوم أسس فيه تلك الشركة و احتفالهما بمناسبة صفقته الأولى وكيف بذل من وقته وجهدة كى تستمر هذه الشركة وسط كل الصعاب ودمعت عيناها .. وكان الحل أمامها هو أخيها الوحيد ..

"نعم أنا منقذك "

قالها ثم حملها بين ذراعيه وسار بها وهو يقول :

"نسيت أن أخبرك.. لقد اتصل بى شقيقك اليوم من كندا يطلب منى استثمار بعض أمواله فى شركتى "

رفعت حاجبيها كأنها لا تعلم :

"حقاً .. وماذا قلت له ؟"

"سوف أفكر بالأمر "

ابتسمت وهى تقول فى حنان :

"رجاء لا تخذله يا عزيزى"

عاد يبتسم لها وهو يقول فى صوت واثق :

"لا تخافى يا عزيزتى .. الابطال مثلى لا يرفضون طلباً لأحد "


 كتبها وليد نبيه "16-1-2014"

Sitemeter