السبت، 17 مايو 2014

كيف تصبح مليونيرا


منذ عدة سنوات دعتنى إحدى شركات التدريب للمشاركة فى مجموعة من برامج التدريب فى مجال التنمية البشرية والتى كانت موضة ذلك الوقت وخاصة بعد أن أستطاع أحد المبادرين أن يحقق نجاها باهرا فى نشر فكر التنمية البشرية فى مصر ، وبعدها قام العديد بمحاولة استنساخ شخصيته وربما مقولاته وحركاته ، حتى أصبح الأمر كوميديا وربما كارثياً أيضاً .
ولأن تخصصى هو العلوم المالية والإدارية فقد وافقت  بعد أن قمت باختيار عدد من الموضوعات الإدارية التى يمكن تطبيقها على الأفراد ، والتى يمكن أن تكون إضافة لهم إذا قاموا باستغلالها على المستوى الشخصى .

وتصادف أثناء ذهابى لمقابلة مديرى الشركة لترتيب الموضوعات أن قابلت أحد المدربين العرب الذى بدأت الشركة بعمل حملة دعائيه لمحاضراته تحت اسم "كيف تصبح مليونيرا" وتم تقديمه فى الدعايه على أنه من أفضل المدرب العرب المحترفين فى مجال التنمية البشرية .. كان شابا صغيرا ربما لم يتجاوز بدايات أعوامه العشرين ، أسمر اللون ، مبتسم الملامح ، وتم التعارف أثناء انتظارنا فى غرفة الاجتماعات ، وسألته عن البرنامج التدريبى الخاص به فأجابنى بكل فخر أنه برنامج لمساعدة الشباب لتحقيق الملايين فى أقصر وقت .. كان أمراً مبهرا وخاصة أننى لست من أصحاب الملايين ، ربما لأننى لا أهتم عادة بالمال أو ربما لأن المال لا يهتم بى .. إلا ان ما أثار تعجبى للحظات أن هذا الفتى والذى لابد أنه مليونيرا جاء لينقل تجربته للشباب كان يرتدى ملابسا رديئة بعض الشىء لا توحى بالثراء ، ولكننى لم أهتم كثيرا لهذا الأمر فبعض العرب الذين يرتدون دائما الزى الوطنى فى بلادهم لا يجيدون أرتداء الملابس الغربيه بسبب عدم التعود ليس إلا .. ولكن خاطرا ما جعلنى أسمع منه وهو يتحدث بكل فخر عن برنامجه الرائع وكيف حقق النجاح فى مجموعة كبيره من الدول العربيه ، قبل أن أساله إن كان من المليونيرات فابتسم مجيباً بانه ليس بعد .. سألته إن كان يمتلك بيتا كبيرا فى بلده أو سيارة فارهة ، فأجاب خجلا مرة أخرى بالنفى ، قبل أن يحاول أن يبرر ان ما يقوم بتعليمه للناس هو تطبيقات وليس خبرات وأنه ليس من الضرورى أن يكون قد أصبح مليونيرا ليعلم الناس كيف يستفيدوا من الأمر .. فقلت أننى أعتقد أن المدرب يجب أن يكون قد أختبر ما يقوم بتدريبه ، فالتدريب ما هو إلا نقل للخبرات والتجارب التى تعطى للعلم معنى وتضع الفرق بين المدرب وناقل العلم ..
وابتسمت فى وجهه مشجعا وأخبرته اننى أقدر نجاحه فيما يقوم به ، وعندما جاء مدير الشركة مبتسماً ، أطريت على المدرب الشاب وحماسه ، وأثنيت على الشركة ، ثم قدمت أعتذارى عن الاستمرار فى المشاركة و تعللت بالانشغال الشديد نظرا لظروف طارئة ووعدته بمحاولة العمل مع شركته فى برامج قادمة إن تيسر الأمر  ..

طوال فترة عملى لم أقبل أبداً المشاركة فى تقديم ما هو أقل من المستوى حتى وإن خسرت البعض وحتى وإن أساء فهمى البعض الأخر ، فالعلم الذى هو رسالة الأنبياء لا يجب أن يكون تجارة أو مجالا لخداع الناس واللعب بأحلامهم .. واليوم بعد مرور كل هذه السنوات لا زلت لا أمتلك الملايين ولكن بقيت لى القناعة والرضا التام بما أفعل وأقدم ، ولا أدرى إن كان صاحب محاضرة الملايين قد أستطاع مساعدة الشباب على تحقيق أحلامهم ، أم أكتفى من العمل فى مجال التدريب بعد أن حقق حلمه الشخصى وأضحى من أصحاب الملايين مما جمعه من أموال المتدربين الباحثين عن سر الثراء السريع .



Sitemeter