السبت، 31 يناير 2009

البداية


عندما أنهيت دراستى بالجامعة كان حلم حياتى أن أصبح مثل ذلك الرجل الذى يظهر دوماً فى نشرة الأخبار ، كنت أجلس مترقباً عندما يتحدث مذيع النشرة الاقتصادية عن أخبار البورصات العالمية وارتفاع مؤشر (داو Dow) أو انخفاض مؤشر (ناسداك NASDAQ ) ، منتظراً تلك اللحظات الخاطفة التى تنقل الصورة من داخل مقصورة التداول ويظهر فيها منفذ العمليات (Floor Broker) بمظهره الأنيق وربطه عنقه المفتوحة قليلاً ، وهو يشير بيديه ملوحاً فى توتر بحركات تشبه حركات الصم والبكم أحياناً وحركات المختلين عقلياً فى أحيان أخرى ، وألمح نظرات السعادة فى عينى ذلك اليابانى القصير وهو يتقافز عندما تحقق أسهمه أرتفاعاً أونظرات الحزن التى تعتريه مع انخفاض الأسعار وتحقيق الخسائر.


كان ذلك العالم بالنسبة لى سحراً ، وكان الوصول إليه مطمحاً لا غنى عن تحقيقه ، فسألت عن الطريقة التى يمكننى أن أصبح بها مثل هؤلاء فلم أجد إلى ذلك سبيلاً ، وبالمصادفة رشحنى أحد أساتذتى بالجامعة للعمل بأحد مكاتب المحاسبة التى يشارك بها وأخبرنى أن تعلم المحاسبة هو الخطوة الأولى فى طريق المحلل المالى الجيد ، وبذلت جهداً حقيقياً فى التعلم والعمل هناك ، حتى حانت الفرصة وتم ترشيحى تلك المرة للعمل بأحد الشركات التى تعمل فى مجال تقييم الأسهم والسندات فى بورصة الاوراق المالية.كانت هذه هى الفرصة التى كنت أتمناها وظننت أننى هناك سأتعلم كل شىء فبدأت بقراءة ما طلب منى بشغف وخضت دورات تدريبية تم إلحاقى بها فيما يطلق عليه التحليل الأساسى (Fundmental Analysis) وهو يتضمن استخدام القوائم المالية وتحليلها بالأساليب المختلفة ومن ضمن هذه الأساليب ما يطلق عليه التحليل بالنسب المالية (Ratios).
و عندما أعتقدت أننى وضعت قدمى على الطريق وبدأت أخطو وجدتهم يقولون لى "هذا كل شىء لقد انتهينا" فعدت أسأل معترضاً فأنا لم أصل بعد للمعرفة التى كنت أريدها فوجدتهم يكررون ما قالو من جديد.
فوجدت أننى فى حيرة ، تماماً كرجل ذهب إلى الطبيب وبعد تحاليل طويلة أخبره أن نسبة الهيموجلوبين فى دمه كذا ، وتركه دون إجابة عما تعنى هذه النسبة ؟ هل هى جيده أم لا ؟ وكيف الطريق إلى علاجها إن لم تكن جيده ؟ ، ترك له مجرد نسبة صماء مبهمه لا تعنى له أى شىء سوى المزيد من الحيرة والتساؤل.
ورغم أن نسبة "الهيموجلوبين" التى تحدث عنها الطبيب لها مؤشرات قياسية يمكن استخدامها فى الحكم والتقييم ، نجد ان التحليل المالى ليس له مؤشرات قياسية ، كل شىء يختلف من نشاط لنشاط ومن شركة لأخرى داخل نفس النشاط ومن ظروف تشغيل أو تمويل لأخرى داخل نفس الشركة.

وبعد وقت طويل وقراءات لا حصر لها أضاء عقلى فجأة ، مثلما يضىء عقل الصوفى الذى يستغرق فى التأمل حتى يصل إلى الفتوحات ، وعلمت أنهم عندما أخبرونى أن هذه هى نهاية المطاف لم يكذبو ، فالجزء المتبقى لا يمكن أن يعلمه شخص لآخر ، وإنما هو نتاج فكرك وحدك وقدرتك على ربط كل العلم الأكاديمى الذى حصلته بالخبرة العملية لتحليل المؤشرات التى تظهر لك حتى تصل إلى النتائج ، ولا أنكر أننى ما زلت حتى اليوم مريداً يبتغى الوصول فى بحر هذا العلم الواسع.

هناك 4 تعليقات:

  1. لما قرأت كلامك حسيت إنك بتتكلم عني
    في أشياء كثير بيننا مشتركه
    أتمنى لك التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة

    محمد سيد قطب
    مراقب تكاليف

    ردحذف
  2. بارك الله فيك يا اخ محمد
    واحساسك اننى اتحدث عنك هو ما أبتغيه فى الواقع
    فتلك المدونه ليست لسرد أحداث شخصيه عنى فأنا لست شخصيه عامه ولا أروى سيرة ذاتيه
    انما هدفى من نقل خبرات شخصيه اعلم اننى والكثيرين مررنا بها فى حياتنا هو المشاركة وفتح باب الحوار للإفادة والاستفادة
    وتسعدنى مشاركتك الدائمة

    ردحذف
  3. بارك الله فيك يا استاذ وليد والله الموضوع جميل وبيحكى بجد عن اللى موجود جوه الواحد من ساعات ما اتخرج من الكليه واحب اشكرك مره اخره
    محمود فؤاد
    محاسب فى بدايه المشوار

    ردحذف
  4. شكرا لك يا محمد وبارك الله لك فى مشوارك ووفقك فيه لما يحب ويرضى

    ردحذف

يشرفنا تعليقك على الموضوعات

Sitemeter